قال الإمام الصادق عليه السلام:

اذا قام القائم عليه السلام لاتبقى أرض الا نودي فيها بشهادة ان لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

الأربعاء، 4 يناير 2012

الإمام العسكري يعرض ولده المهدي على أحمد بن إسحاق

قال الصدوق عليه رحمة الله الملك الغفور في كتابه المزبور: حدّثنا عليّ بن عبد الله الورَّاق، قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال:
دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدءاً: يا أحمد بن إسحاق! إنَّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم عليه السلام ، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجَّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه يُنزِّل الغيث، وبه يُخْرجُ بركات الأرض.
قال: فقلت له: يا ابن رسول الله! فَمَنْ الخليفة والإمام بعدك؟
فنهض عليه السلام مسرعاً، فدخل البيت، ثُمَّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين، فقال: يا أحمد بن إسحاق! لولا كرامتك على الله عز وجل وعلى حُججه ما عرضت عليك ابني هذا؛ إنه سمِّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنيّه، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلمًا.
يا أحمد بن إسحاق مَثَلُهُ في هذه الأمّة كمثل الخضر عليه السلام ، ومثله مثل ذي القرنين؛ والله ليغيبنَّ غيبة لاينجو من الهلكة فيها إلا من ثبَّته الله عز وجل على القول بإمامته، و وفقه للدُّعاء بتعجيل فرجه.
قال أحمد بن إسحاق: قلت: يا مولاي! هل من علامة يطمئن إليها قلبي؟
فنطق الغلام عليه السلام بلسان عربي فصيح، فقال: أنا بقيّة الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه؛ فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق!
(فقال أحمد بن إسحاق): فخرجت فرحاً مسروراً، فلمَّا كان من الغد عدتُ إليه، فقلت: يا ابن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت (به) عليَّ، فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟
فقال: طول الغيبة، يا أحمد!
فقلت (له):يا ابن رسول الله! وإن غيبته لتطول؟
قال: إي، وربِّي؛ حتَّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، فلا يبقى إلا من أخذ الله عهده بولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه.
يا أحمد بن إسحاق! هذا أمر من (أمر) الله جلّت عظمته، وسرٌّ من سرِّ الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك، واكتمه، وكن من الشاكرين تكن معنا (غداً) في عليين.
اللهم ارزقنا جوار أصفيائك الطاهرين برحمتك يا أرحم الراحمين.
والسلام على من اتبع الهدى.

أم المهدي عليه السلام تخبر عمّا حدث حين ولادته عليه السلام

قال الشيخ الصدوق أبو جعفر بن بابويه رحمة الله عليه وعلى أبويه: حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي الله عنه ، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا أبو عليّ الخيزرانيُّ عن جارية له كان أهداها لأبي محمّد عليه السلام ، فلما أغار جعفر الكذَّاب على الدار جاءته فارّة من جعفر، فتزوج بها.
قال أبو عليّ: حدّثتني أنّها حضرت ولادة السيِّد عليه السلام وأنَّ اسم أمِّ السيِّد عليه السلام صقيل، وأنَّ أبا محمّد عليه السلام حدّثها بما يجري على عياله، فسألته أن يسأل الله عز وجل أن يجعل ميتته قبله، فماتت في حياة أبي محمّد عليه السلام ، وعلى قبرها لوح مكتوب عليه: (هذا قبر أمِّ محمّد).
قال أبو عليّ: وسمعت هذه الجارية تقول: إنَّه لمَّا ولد السيِّد عليه السلام رأت له نوراً ساطعاً قد ظهر منه، و بلغ أفق السماء، ورأت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه، ووجهه وسائر جسده، ثم تطير.
فأخبرنا أبا محمّد عليه السلام بذلك، فضحك، فقال: تلك الملائكة نزلت (من السماء) للتبرُّك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج.
عليه وعلى آبائه المعصومين صلوات الله تبارك وتعالى.
والسلام على من اتبع الهدى.

المهدي عليه السلام ولد ابنة قيصر ملك الروم

قال أبو محمّد ابن شاذان عليه الرحمة والغفران: حدّثنا محمّد بن عبد الجبار رضي الله عنه قال: قلت لسيدي الحسن بن عليّ عليهما السلام ، يا ابن رسول الله جعلني الله فداك، أحب أن أعلم مَنْ الإمام، وحجة الله على عباده مِنْ بعدك؟
قال عليه السلام: إنَّ الإمام، والحجَّة بعدي ابني سميّ رسول الله، وكنيّه صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه.
فقلت: مِمَّنْ (يتولد) هو يا ابن رسول الله؟
قال: مِنْ ابنة ابن قيصر ملك الروم، ألا إنه سيولد فيغيب عن الناس غيبة طويلة، ثمّ يظهر، ويقتل الدجال فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فلا يحل لأحد أن يسمّيه أو يكنيّه باسمه وكنيته قبل خروجه صلوات الله عليه.
يقول المترجم: إنّي أتعجب من كلام صاحب كتاب كشف الغمة للشيخ الفاضل العادل عليّ بن عيسى الأربلي عليه الرحمة حيث يقول: من العجيب أنَّ الشيخ الطبرسي، والشيخ المفيد رحمهما الله قالا: أنَّه لا يجوز ذكر اسمه ولا كنيته، ثمّ يقولان: اسمه اسم النبي، وكنيته كنيته عليهما الصلاة والسلام، وهما يظنان أنهما لم يذكرا اسمه ولا كنيته، وهذا عجيب، انتهى.
ومن العجيب جداً أن هذا الرجل العالم مع كمال وسع معرفته فإنه قد غفل أنَّ الإشارة إلى الاسم والكنية شيء، والتلفظ بالاسم والكنية شيء آخر.
والحال أن عدَّة من الأحاديث من تلك الأحاديث المشتملة على النهي عن التسمية والتكنية مثل الحديث السادس والعشرين من أحاديث هذه الأربعين، قد ذكر فيها أن خاتم الأوصياء يشترك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالاسم والكنية مثل الحديث المذكور.
والسلام على من اتبع الهدى.
وليعلم أنه وبسبب طولانية حديث والدة صاحب الأمر عليه السلام الماجدة فإننا نقتصر في هذا المقام على ترجمته رعايةً للاختصار.
روى الفضل بن شاذان وابن بابويه والشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي والشيخ الطرابلسي وغيرهم كثيراً جداً من علماء الإمامية رضي الله عنهم جميعاً في كتبهم بعباراتٍ مختلفة ومعاني متّفقة.
أما الشيخ الطوسي عليه الرحمة فقد نقل على النحو التالي بسنده عن بشر بن سليمان النخاس وهو من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن، وأبي محمّد عليهما السلام وجارهما بسرّ من رأى:
أتاني كافور الخادم، فقال: مولانا أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكري عليهما السلام يدعوك إليه؛ فأتيته، فلمّا جلست بين يديه قال لي:
يا بشر! إنَّك من ولد الأنصار، وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مزكّيك ومشرِّفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بسرّ اُطلعك عليه، واُنفذك في ابتياع أمة.
فكتب كتاباً لطيفاً بخطٍّ روميّ، ولغة روميّة، وطبع عليه خاتمه، وأخرج شقيقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً، فقال: خذها، وتوجَّه بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوةَ يوم كذا، فإذا وَصَلَتْ إلى جانبك زواريق السبايا، وترى الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العباس وشرذمة من فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك فاشرف من البُعْد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين صفيقين تمتنعُ من العرض، ولمس المعترض، والانقياد لِمَنْ يحاول لمسها، وتسمع صرخة روميّة من وراء ستر رقيق، فاعلم أنها تقول واهتك ستراه.
فيقول بعض المبتاعين: عليَّ ثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة.
فتقول له بالعربية: لو برزت في زيِّ سليمان بن داود، وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة، فأشفق على مالك.
فيقول النخّاس: فما الحيلة ولا بدّ من بيعك.
فتقول الجارية: وما العجلة ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه، وإلى وفائه، وأمانته.
فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له: إنّ معك كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية، وخط رومي ووصف فيه كرمه، ووفاءه، ونبله، وسخاءه، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه، ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.
قال بشر بن سليمان: فامتثلت جميع ما حدَّه لي مولاي أبو الحسن عليه السلام في أمر الجارية، فلمّا نَظَرتْ في الكتاب بَكَتْ بكاءاً شديداً، وقالت لعمر بن يزيد:
بِعْني من صاحب هذا الكتاب. وحَلَفَتْ بالمحرّجة، والمغلّظة إنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.
فما زلتُ أشاحه في ثمنها حتىّ استقّر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السلام من الدنانير، فاستوفاه (منّي) وتسلمتُ الجارية ضاحكةً مستبشرة، وانصرفتُ إلى الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولانا عليه السلام من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها وتضعه على خدّها وتمسحه على بدنها.
فقلت تعجباً منها: تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه.
فقالت: أيها العاجز، الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء، أعرني سمعك، وفرّغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمّي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون، أنبئك بالعجب:
إنَّ جدّي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه، وأنا من بنات ثلاثة عشرة سنّة، فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد، وقواد العسكر، ونقباء الجيوش، وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز مِنْ بهي ملكه عرشاً مصنوعاً من أصناف الجوهر (إلى صحن القصر)، ورفعه فوق أربعين مرقاة، فلمّا صعد ابن أخيه، وأحدَقَتْ الصلب، وقامت الأساقفة عكّفاً، ونشرت أسفار الإنجيل، تسافلت الصلب من الأعلى فلصقت بالأرض وتقوّضت أعمدة العرش، فانهارت إلى القرار، وخّر الصاعد من العرش مغشياً عليه.
فتَغَيَّرَتْ ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم (لجدّي):
أيها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس، الدّالة على زوال دولة هذا الدين المسيحي، والمذهب الملكاني.
فتطيَّر جدّي من ذلك تطيُّراً شديداً، وقال للأساقفة:
أقيموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر، المنكوس جدّه لأزوجه هذه الصبية، فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.
فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني (مثل) ما حدث على الأوّل، وتفرق الناس.
وقام جدّي قيصر مغتماً فدخل منزل النساء، واُرْخِيَتْ الستور، وأرِيتُ في تلك الليلة كأنَّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبراً من نور يباري السماء علواً وارتفاعاً في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه، ودخل عليهم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وختنه ووصيه عليه السلام وعدة من أبنائه عليهم السلام.
فتقدم المسيح إليه، فاعتنقه، فيقول له محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: يا روح الله إني جئتك خاطباً من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلى أبي محمّد عليه السلام ابن صاحب هذا الكتاب.
فنظر المسيح إلى شمعون وقال (له): قد أتاك الشرف، فصل رحمك رحم آل محمّد عليهم السلام.
قال: قد فَعَلْتُ.
فصعد ذلك المنبر، فخطب محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وزوَّجني من ابنه، وشهد المسيح عليه السلام ، وشهد أبناء محمّد عليهم السلام، والحواريوّن.
فلما استيقظت أشْفَقْتُ أن أقصُّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل، فكنت أسُرُّها ولا أبديها لهم، وضرب صدري أبي محمّد عليه السلام حتّى امتنعت من الطعام والشراب، فَضَعُفَتْ نفسي، ودّق شخصي، ومَرِضْتُ مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدّي، وسأله عن دوائي.
فلما برح به اليأس قال:
يا قرة عيني! وهل يخطر ببالك شهوة فازودكها في هذه الدنيا؟
فقلت: يا جدي! أرى أبواباً عليَّ مغلقة، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككتَ عنهم الأغلال، وتصدّقتَ عليهم، ومَنَّيْتَهُم الخلاص رجوتُ أن يهب (لي) المسيح وأمُّه عافية.
فلما فعل ذلك تجلدتُ في إظهار الصِّحة من بدني قليلاً، وتناولتُ يسيراً من الطعام، فسّر بذلك، وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم.
فأريت (أيضاً) بعد أربع عشرة ليلة كأنّ سيدة نساء العالمين فاطمة عليها السلام قد زارتني، ومعها مريم ابنة عمران وألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم:
هذه سيدة نساء العالمين أمّ زوجك أبي محمّد عليه السلام ، فأتعلق بها، وأبكي، وأشكو إليها امتناع أبي محمّد عليه السلام من زيارتي.
فقالت سيّدة النساء عليها السلام: إن ابني أبا محمّد لا يزورك، وأنت مشركة بالله على مذهب النصارى، وهذه أختي مريم بنت عمران تبرأ إلى الله تعالى من دينك، فان مِلت إلى رضى الله ورضى المسيح ومريم عليهما السلام وزيارة أبي محمّد إياك فقولي: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن أبي محمّداً رسول الله.
فلما تكلمت بهذه الكلمة ضَمَّتني إلى صدرها سيدة نساء العالمين عليها السلام ، وطيبت نفسي وقالت: الآن توقعي زيارة أبي محمّد، فإني منفذته إليك.
فانتبهت وأنا أنول،  أتوقع لقاء أبي محمّد عليه السلام.
فلما كان في الليلة القابلة رأيت أبا محمّد عليه السلام وكأنّي أقول له:
جفوتني يا حبيبي بعد أن أتلفت نفسي معالجة حبّك.
فقال: ما كان تأخري عنك إلا لشركك، فقد أسْلَمْتِ وأنا زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله تعالى شملنا في العيان.
فما قطع عنيّ زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.
قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعت في الأسارى؟
فقالت: أخبرني أبو محمّد عليه السلام ليلة من الليالي أن جدَّك سيُّسير جيشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا، ثمّ يتبعهم، فعليك باللحاق بهم متنكرةً في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا.
ففعلتُ ذلك، فوقعت علينا طلائع المسلمين، حتى كان من أمري ما رأيْتَ، وشاهَدْتَ، وما شعر بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك، وذلك باطلاعي إيّاك عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت: نرجس، فقال: اسم الجواري.
قلت: العجب انّك رومية، ولسانك عربي؟
قالت: نعم! من ولوع جدّي، وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمانة لي في الاختلاف إليّ، وكانت تقصدني صباحاً ومساءاً، وتفيدني العربية حتى استمرَّ لساني عليها واستقام.
قال بشر: فلما انكفأتُ بها إلى سُرَّ مَنْ رأى دخلتُ على مولاي أبي الحسن عليه السلام فقال: كيف أراكِ الله عزَّ الإسلام، وذلَّ النصرانية، وشرف محمّد وأهل بيته عليهم السلام ؟
قالت: كيف أصف لك يا ابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي؟!
قال: فانّي أحببتُ أنْ أكرمك؛ فما أحبُّ إليك، عشرة آلاف دينار، أم بشرى لك بشرف الأبد؟
قالت: بشرى بولد لي.
قال لها: أبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
قلت: مِمَّنْ؟
قال: مِمَّنْ خطبك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له ليلة كذا، في شهر كذا، مِنْ سنة كذا بالرومية.
قالت: مِنْ المسيح ووصيّه؟
قال لها: مِمَّنْ زوجك المسيح عليه السلام ووصيه؟
قالت: من ابنك أبي محمّد عليه السلام.
فقال: هل تعرفينه؟
قالت: وهل خلت ليلة لم يرني فيها منذ الليلة التي أسلمتُ على يد سيدة النساء صلوات الله عليها.
قال: فقال مولانا: يا كافور ادع أختي حكيمة.
فلمّا دَخَلَتْ قال لها: ها هيه. فاعتنقتها طويلاً، وسرَّت بها كثيراً.
فقال لها أبو الحسن عليه السلام: يا بنت رسول الله! خذيها إلى منزلك، وعلّميها الفرائض والسنن؛ فإنها زوجة أبي محمّد، وأمُّ القائم عليه السلام.
والسلام على من اتبع الهدى.

الإمام الجواد يحدث عبد العظيم الحسني عن القائم عليه السلام

قال الشيخ الصدوق عماد الدين أبو جعفر بن بابويه رحمة الله عليه: حدّثنا محمّد بن أحمد الشيباني، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، عن سهيل بن زياد الآدميّ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ، قال: قلتُ لمحمّد بن عليّ بن موسى عليهم السلام: إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد صلى الله عليه وآله وسلم الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.
فقال عليه السلام: يا أبا القاسم ما منَّا إلا وهو قائم بأمر الله عز وجل ، وهادٍ إلى دين الله تعالى، ولكنَّ القائم بأمر الله الذي يطهّر الله تبارك وتعالى به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملؤها عدلاً وقسطاً، هو الذي تخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سَمِي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنيُّه، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذلُّ له كلُّ صعب، يجتمع إليه من أصحابه عدَّة أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض، وذلك قول الله عز وجل: (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
فإذا اجتمعت له هذه العدَّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل، خرج بإذن الله عز وجل ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عز وجل.
قال عبد العظيم: فقلتُ يا سيدي! وكيف يعلم أن الله عز وجل قد رضي؟
قال: يلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللاّت والعزّى فأحرقهما.
والمقصود من اللاّت والعزّى أبا بكر وعمر عليهما...
والسلام على من اتبع الهدى.

القائم هو الخامس من ولد الكاظم عليه السلام

قال ابن بابويه رحمة الله عليه في كتاب كمال الدين: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن صالح بن السندي، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: دخلتُ على موسى بن جعفر عليهم السلام فقلت له: يا ابن رسول الله أنت القائم بالحق؟
فقال: أنا القائم بالحق، لكن القائم الذي يطهّر الأرض من أعداء الله عز وجل  ويملؤها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وهو الخامس من ولدي؛ له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها قوم، ويثبت فيها آخرون.
ثم قال عليه السلام: طوبى لشيعتنا، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا؛ أولئك منّا، ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمّة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثمّ طوبى لهم، والله إنَّهم معنا في درجتنا يوم القيامة.
والسلام على من اتبع الهدى.

ثواب من ثبت على ولاية القائم عليه السلام في الغيبة

قال الشيخ الفقيه عماد الدين أبو جعفر ابن بابويه رحمه الله في كتاب كمال الدين: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن بسطام بن مُرَّة، عن عمرو بن ثابت قال: قال عليّ بن الحسين سيد العابدين (عليهما السلام): مَنْ ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله عز وجل أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر وأحد.
والسلام على من اتبع الهدى.

الإمام السجاد عليه السلام يخبر الكابلي عن الأئمّة وغيبة المهدي عليه السلام

قال أبو محمّد بن شاذان طيَّب الله مضجعه: حدّثنا صفوان بن يحيى رضي الله عنه عن إبراهيم بن أبي زياد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي، قال: دخلت على سيدي عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، فقلت: يا ابن رسول الله أخبرني بالذين فرض الله تعالى طاعتهم، ومودتهم، وأوجب على عباده الإقتداء بهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فقال: يا كابلي! إنَّ أولي الأمر الذين جعلهم الله عز وجل أئمّة الناس، وأوجب عليهم طاعتهم:
أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، ثُمَّ الحسن عمّي، ثُمَّ الحسين أبي، ثُمَّ انتهى الأمر إلينا.
وسَكَتَ، فقلتُ له: يا سيدي! روي لنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّ الأرض لا تخلو من حجة لله عز وجل على عباده، فمن الحجَّةُ والإمام بعدك؟
فقال: ابني محمّد، واسمه في الصحف الأولى باقر، يبقر العلم بقراً، هو الحجَّة بعدي، ومِنْ بعد محمّد ابنه جعفر، واسمه عند أهل السماء الصادق.
قلتُ: يا سيدي؛ وكيف صار اسمه الصادق وكلكم صادقون؟
قال:حدّثني أبي، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام فسمّوه الصادق، فإن الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدَّعي الإمامة اجتراءً على الله وكذباً عليه، فهو عند الله جعفر الكذاب المفتري على الله جل جلاله ، والمدعي ما ليس له بأهل، المخالف لأبيه، والحاسد لأخيه، وذلك الذي يروم كشف سر الله عز وجل عند غيبة ولي الله.
ثم بكى عليّ بن الحسين بكاءً شديداً، ثم قال:كأني بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ الله، و المغيب في حفظ الله، والتوكيل بحرم الله، جهلاً منه برتبته، وحرصاً على قتله إن ظفر به، وطمعاً في ميراث أخيه، حتى يأخذه بغير حقّ.
فقال أبو خالد: فقلتُ: يا ابن رسول الله وأنَّ ذلك لكائن؟
فقال: إي وربي إنَّ ذلك لمكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فقال أبو خالد: فقلت: يا ابن رسول الله ثُمَّ يكون ماذا؟
قال: ثُمَّ تمتد الغيبة بوليّ الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة بعده.
يا أبا خالد! إنَّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته، والمنتظرين لظهوره أفضل مِنْ أهل كل زمان، فإن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة (عندهم) بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف، أولئك المخلصون حقاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله عز وجل سراً وجهراً.
وقال عليه السلام: انتظار الفرج من أفضل الفرج.
نرجو الحق تعالى أن يكرّم جميع الشيعة الأجر العظيم في هذا الانتظار.
والسلام على من اتبع الهدى.

النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبشر الزهراء عليها السلام بالمهدي عليه السلام

قال ابن شاذان عليه رحمة الله الملك المنان: حدّثنا عثمان بن عيسى رضي الله عنه قال: حدّثنا أبو حمزة الثمالي، قال: حدّثنا أسلم، قال: حدّثنا أبو الطفيل، قال: حدّثنا عمار بن ياسر، قال:
لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوفاة دعا بعليّ بن أبي طالب عليه السلام فسارّه طويلاً، ثمّ رفع صوته وقال: يا عليّ أنت وصيّي ووارثي، قد أعطاك الله تعالى علمي وفهمي، فإذا متُّ ظهرت لك ضغائن في صدور قوم وغصب على حقك.
فبكت فاطمة عليها السلام، وبكى الحسن والحسين عليهما السلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لفاطمة: يا سيّدَةَ النّساء ممَّ بكاؤك؟
قالت: يا أبت أخشى الضيعة بعدك.
قال أبشري يا فاطمة فإنك أوّل من يلحقني من أهل بيتي، لا تبكي ولا تحزني، فإنَّك سيدة نساء أهل الجنة، أباك سيد الأنبياء، وابن عمك سيد الأوصياء، وابنيك سيدا شباب أهل الجنّة، ومن صلب الحسين يخرج الله الأئمّة التسعة المطهرين المعصومين، ومناّ مهدي هذه الأمّة.
الحمد لله الذي جعل سادتي وقادتي هؤلاء الأصفياء.
والسلام على من اتبع الهدى

الأوصياء إثنا عشر، والمهدي عليه السلام التاسع من ولد الحسين عليه السلام

قال أبو محمّد بن شاذان عليه الرحمة و الغفران: حدّثنا عليّ بن الحكم رضي الله عنه عن جعفر بن سليمان الضبعي عن سعيد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن سلمان الفارسي رضوان الله عليه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: معاشر الناس إنّي راحل عن قريب ومنطلق إلى المغيب، أوصيكم في عترتي خيراً، إيّاكم والبدع، فإن كل بدعة ضلالة، ولا محالة أهلها في النار.
معاشر الناس! مَنْ فقد الشمس فليستمسك بالقمر، ومَنْ فقد القمر فليستمسك بالفرقدين، فإذ فقدتم الفرقدين  فتمسكوا بالنجوم الزاهرة بعدي، أقول لكم فاعلموا أنَّ قولي قول الله فلا تخالفوه فيما آمركم به، والله يعلم أنّي بلغت إليكم ما أمرني به فأشهد الله عليَّ وعليكم.
قال: فلمَّا نزل عن المنبر تبعته حتى دخل بيت عائشة، فدخلتُ عليه وقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله سمعتك تقول: إذا فقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر، وإذا فقدتم القمر فتمسكوا بالفرقدين، وإذا فقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم، فقد ظننت أن يكون في هذه الإبانة إشارة؟
قال: قد أصبت يا سلمان.
فقلتُ: بيِّن لي يا رسول الله: ما الشمس والقمر، وما الفرقدان، وما النجوم الزاهرة؟
فقال: أنا الشمس، وعليّ القمر، فإذا فقدتموني فتمسكوا به بعدي، وأما الفرقدان فالحسن والحسين، فإذا فقدتم القمر فتمسكوا بهما، وأما النجوم الزاهرة فهم الأئمّة التسعة من صلب الحسين، والتاسع مهديّهم.
ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: إنّهم هم الأوصياء والخلفاء بعدي، أئمّة أبرار، عدد أسباط يعقوب وحواريي عيسى.
فقلت: فسمّهم لي يا رسول الله.
قال: أوَّلهم وسيّدُهم عليّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، وبعدهما عليّ بن الحسين زين العابدين، وبعده محمّد بن عليّ باقر علم النبيين، وبعده الصادق جعفر بن محمّد، وبعده الكاظم موسى بن جعفر، وبعده الرضا عليّ بن موسى الذي يقتل بأرض الغربة، ثم ابنه محمّد، ثم ابنه عليّ، ثم ابنه الحسن، ثم ابنه الحجَّة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، فإنَّهم عترتي من لحمي ودمي، علمهم علمي وحكمهم حكمي، مَنْ آذاني فيهم فلا أناله الله شفاعتي.
والسلام على من أتبع الهدى.

المهدي عليه السلام التاسع من ولد الحسين عليه السلام

قال أبو محمّد بن شاذان أمطر الله عليه شآبيب الغفران: حدّثنا الحسن بن عليّ بن سالم، عن أبيه، عن أبي حمزة الثمالي، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لمّا خلق الله الدنيا اطلع على الأرض إطلاعة  فاختارني منها فجعلني نبياً، ثم اطلع ثانية فاختار منها علياً فجعله إماماً، ثُمَّ أمرني أن أتخذه أخاً ووصياً وخليفة ووزيراً، فعليٌ مني وأنا مِنْ عليّ، وهو زوج ابنتي، أبو سبطيّ الحسن والحسين، ألا إن الله تبارك وتعالى جعلني وإياهم حججاً على عباده، وجعل من صلب الحسين أئمّة يقومون بأمري ويحفظون وصيتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتي، أشبه الناس بي في شمائله و أقواله وأفعاله، يظهر بعد غيبة طويلة و حيرة مضِلّة، فيعلن أمر الله، ويظهر دين الله، ويؤيد بنصر الله، وينصر بملائكة الله، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
(وقد علّق المؤلف على قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي جاء في الحديث: وجعل من صلب الحسين أئمّة يقومون بأمري ويحفظون وصيتي).
يقول جامع هذه الأربعين: إنَّ هذا هو المعنى الذي أقل ما ذكر في كتاب (رياض المؤمنين) أن كلما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقوم به فهو ما يقوم به الإمام عليه السلام أيضاً، والفرق بينهما أنه لا واسطة من البشر بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين الله تعالى، بينما توجد واسطة من البشر وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين الإمام عليه السلام والله تعالى.
وهذا المعنى ظاهر وواضح في كثير من الأحاديث: أن أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتعلق من بعده بالأئمّة الهداة صلوات الله عليهم أجمعين.
والسلام على من اتبع الهدى.

النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخبر نعثل اليهودي بأوصيائه عليهم السلام

قال أبو محمّد بن شاذان جعل الله الفردوس مثواه وحشره مع مَنْ تولاه: حدّثنا محمّد بن أبي عمير وأحمد بن محمّد بن أبي نصر رضي الله عنهما جميعاً عن أبان بن عثمان الأحمر، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة عن ابن  عباس، قال:
قدم يهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقال له نعثل، فقال: يا محمّد إني أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين، فإن أجبتني عنها أسلمت على يديك.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: سل يا أبا عمارة.
قال: يا محمّد صف لي ربك.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، كيف يوصف الخالق الواحد الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحده، والبصائر أن تحيط قدرته؟! أجلّ عمّا يصفه الواصفون؛ نأى في قربه، وقَرُبَ في نأيه، كيَّف الكيف فلا يقال كيف، أيَِّن الأين فلا يقال أين. تنقطع الأفكار عن معرفته. وليُعلم أن الكيفية منه والأينونية، وهو الأحد الصمد كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً  أحد.
قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن قولك (إنه واحد لا شبه له) أليس الله واحداً والإنسان واحد؟ ووحدانيته قد أشبهت وحدانية الإنسان؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: الله واحد وأحديُّ المعنى، والإنسان واحد ثنوي؛ جسم عرض (وبدن) وروح، وإنما التشبيه في المعاني لا غير.
قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن وصيك، من هو؟ فما من نبي إلا وله وصي، إن نبينا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون.
فقال: نعم، إن وصييِّ والخليفة من بعدي عليّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، يتلوه تسعة من صلب الحسين، أئمّة أبرار.
قال: فسمهم لي يا محمّد!
قال: نعم، إذا مضى الحسين فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه الحسن، وبعد الحسن الحجة بن الحسن عليّ، فهذه إثنا عشر إماماً على عدد نقباء بني إسرائيل.
قال: فأين مكانهم في الجنَّة؟
قال: معي وفي درجتي.
قال: أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله وأنهم الأوصياء بعدك، ولقد وجدت هذا في الكتب المتقدمة، فأخبرني يا رسول الله عن الثاني عشر من أوصيائك.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: يغيب حتى لا يرى، ويأتي على أمتي زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ومن القرآن إلا رسمه، فحينئذ يأذن الله له بالخروج.
فانتفض نعثل، وقام من بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقول: صلوات الله عليك يا سيد المرسلين وعلى أوصيائك الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.
وفي بعض الروايات زيادة في أواخر هذا الحديث مع شعر أنشده نعثل في مدح خير البشر والأئمّة الإثني عشر عليهم صلوات الله الملك الأكبر؛ وإذا كان في الأجل تأخير فسوف اكتب في شرح هذا الحديث كتابا مستقلاً إن شاء الله تعالى.
والسلام على من اتبع الهدى.

مثل المهدي عليه السلام مثل الساعة

قال الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه رحمة الله عليه وعلى والديه في كتاب كمال الدين وتمام النعمة:

حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول:

أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى عليه السلام قصيدتي التي أولها:

مدارس آيات خلت من تلاوة
 
ومهبط وحي مقفر العرصات
فلما انتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة خارج
 
يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل
 
ويجزي على النعماء والنقمات
بكى الرضا عليه السلام بكاءاً شديداً، ثم رفع رأسه إليَّ فقال (لي): يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم؟
فقلت: لا يا مولاي إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يُطهِّر الأرض من الفساد  ويملأها عدلاً.
فقال: يا دعبل، الإمام بعدي محمّد ابني، وبعد محمّد ابنه عليّ، وبعد عليّ ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلا يومٌ واحد لطوَّل الله عز وجل ذلك اليوم حتى يخرج فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً.
وأمَا متى فإخبارٌ عن الوقت، وقد حدثني أبي، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له: يا رسول الله! متى يخرج القائم من ذريتك؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (مثله مثل الساعة التي (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً)  
وهناك أحاديث كثيرة في هذا المعنى غير هذا الحديث؛ كما إن ظهور حضرة صاحب الزمان عليه السلام لا يعلمه أحد إلا رب العالمين جل جلاله، وقد أورد محمّد بن يعقوب الكليني رحمة الله عليه في كتاب الكافي باباً من هذا الموضوع بأنه لا يعلم وقت ظهور حضرة خاتم الأوصياء أحد إلا الله تعالى، وسمّى هذا الباب (باب كراهية التوقيت). 
وقد وضع ابن شاذان عليه الرحمة والغفران في كتاب (إثبات الرجعة) باباً مشتملاً على هذا النحو من الأحاديث سمَاه باب (شدَّة النهي عن التوقيت).
وأحد تلك الأحاديث التي رواها الشيخ الجليل القدر، قال:حدثنا محمّد بن أبي عمير رضي الله عنه عن حماد بن عيسى عن أبي شعبة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه محمّد بن عليّ عن أبيه عليّ بن الحسين عن عمِه الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام.
قال: سألت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأئمّة بعده، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (الأئمّة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل إثنى  عشر، أعطاهم الله علمي وفهمي، وأنت منهم يا حسن). فقلت: يا رسول الله فمتى يخرج قائمنا أهل البيت؟
قال: (يا حسن إنما مثله مثل الساعة أخفى الله علمها على أهل السموات والأرض لا تأتي إلا بغتةً). 
يعني كما أنه لا يعلم متى تقوم القيامة أحد إلا الله رب العالمين، فكذلك لا يعلم أحد إلا الملك المنان متى سوف يكون وقت ظهور صاحب الزمان عليه السلام.
وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي (رضوان الله عليه) في كتاب  الغيبة: أمّا وقت خروجه فليس بمعلوم لنا على التفصيل، بل هو مغيَّب عنا إلى أن يأذن الله بالفرج.
ونقل عدَّة أحاديث في هذا الباب قد انتهت أسانيدها إلى ابن شاذان (رحمة الله عليه) المذكور.
وهي موجودة مع أحاديث أخرى في هذا المعنى في كتاب إثبات الرجعة، ومن جملتها قال الشيخ أبو جعفر:
أخبرنا الحسين بن عبيد الله عن أبي جعفر محمّد بن سفيان البزوفري عن عليّ بن محمّد عن الفضل بن شاذان عن أحمد بن محمّد وعبيس (بن هشام) عن كرام عن الفضيل قال:
سألنا أبا جعفر عليه السلام: هل لهذا الأمر وقت؟
فقال عليه السلام: (كذب الوقّاتون،كذب الوقّاتون ،كذب الوقّاتون). 
وروى أيضاً عن ابن شاذان بهذا الطريق: الفضل بن شاذان، عن الحسين بن يزيد الصحاف، عن منذر الجوّاز، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كذب الموقّتون، ما وقتنا فيما مضى، ولا نوقت فيما يستقبل).
وروى ابن شاذان هذا الحديث بعدّة أسانيد صحيحة.
وقال الشيخ الطوسي بعد أن ذكر هذا الحديث: وبهذا الإسناد عن عبد الرحمن بن كثير قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه مهزم الأسدي، فقال: أخبرني جعلت فداك متى هذا الأمر الذي تنتظرونه، فقد طال؟
فقال: (يا مهزم! كذب الوقّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلِّمون، وإلينا يصيرون).
وقد روى الشيخ أبو محمّد بن شاذان في هذا الباب عدة روايات.
كما وقع في توقيعين أن حجة الرحمن عليه السلام نفسه قد قال بأن التوقيت كذب.
أحدهما: قال ابن بابويه رحمة الله عليه في كتاب كمال الدين: حدثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق (الطالقاني) رضي الله عنه قال:سمعت أبا علي (محمّد) بن همام، يقول: سمعت محمّد بن عثمان العمري قدس الله روحه يقول: خرج التوقيع بخط أعرفه يقول: (من سمَّاني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله).
قال أبو عليّ (محمّد) بن همام: وكتبت أسأله عن (ظهور) الفرج متى يكون؟
فخرج التوقيع: (كذب الوقّاتون). 
وقال سماحة سيد المجتهدين الأمير محمّد باقر الداماد رحمه الله بعد أن نقل هذا الحديث في كتاب (شرعة التسمية): (وهذه الرواية بعينها قد رواها شيخنا الإمام المفيد، وشيخنا الأعظم الطوسي، والشيخ المفسر الطبرسي قدس الله أسرارهم بأسانيدهم الصحيحة).
والمحل الثاني الذي وقع فيه التوقيع ما رواه: ابن شاذان وابن بابويه والشيخ الطوسي والشيخ الطرابلسي رضوان الله عليهم أجمعين بأسانيدهم، ونحن نكتفي بسندٍ واحدٍ ونقل فقرة منه رعاية للاختصار هنا.
  روى ابن بابويه رحمة الله عليه  عن محمّد بن محمّد بن عصام الكليني رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمّد بن عثمان العمري رحمه الله   أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع  الجواب، وبالإجمال فكان من جملة تلك المسائل أنه سأل عن وقت ظهوره عليه السلام ، فكتب عليه السلام في جواب هذا السؤال: (وأمّا ظهور الفرج فإنه إلى الله تعالى وكذب الوقّاتون). 
يعني: أمّا ظهور الفرج فإنه متعلق بإرادة ومشيئة الحق تعالى وكذب الوقّاتون.
وقد ذكرنا قبل هذا أن ابن شاذان عليه الرحمة والغفران قد روى أحاديثاً في هذا الباب غير تلك التي رواها الشيخ أبو جعفر الطوسي قدس سره.
وأحدها: قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران رضي الله عنه عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام: (يا عليّ إن قريشاً ستظهر عليك ما استبطنته، وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك، فإن وجدت أعواناً فجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً فكفَ يدك وأحقن دمك، فإن الشهادة من ورائك، فاعلم أن ابني ينتقم من ظالميك  وظالمي أولادك وشيعتك في الدنيا، ويعذبهم الله في الآخرة عذاباً شديداً.
فقال سلمان الفارسي: من هو يا رسول الله؟
فقال: التاسع من ولد ابني الحسين الذي يظهر بعد غيبته الطويلة، فيعلن أمر الله ويظهر دين الله وينتقم من أعداء الله ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت جوراً وظلماً.
قال: متى يظهر يا رسول الله؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: لا يعلم ذلك إلا الله، ولكن لذلك علامات، منها نداء من السماء، وخسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بالبيداء.
والسلام على من اتبع الهدى).
وقال ابن بابويه رحمة الله عليه في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة): حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطار، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيشابوري، عن حمدان بن سليمان، قال: حدّثنا الصقر بن أبي دُلف، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليهما السلام يقول:
(إن الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري وقوله قولي وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثم سكت.
فقلت له: يا ابن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن؟
فبكى عليه السلام بكاءاً شديداً، ثم قال: إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر.
فقلت له: يا ابن رسول الله لم سمِّي القائم؟
قال: لأنه يقوم بعد موت ذِكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته.
فقلت له: ولم سمّي المنتظر؟
قال: لأنَّ له غيبةً تكثر أيامُها، ويطول أمُدها، فينتظر خروجَه المُخْلِصُون، ويُنْكِرُه المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحِدُون، ويكذب فيها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلِّمون).
ونقل ابن شاذان هذا الحديث بلا واسطة عن الإمام عليه السلام باختلاف قليل ببعض ألفاظه، مع أحاديث أخرى، ثم قال:
قد تحقق من هذه الأخبار وأمثالها أن وقت ظهوره مغَيَّب عن الخلق ولا يعلمه إلا الله.
وقال الحسن بن حمزة العلوي الطبري في كتاب الغيبة: قال أبو عليّ محمّد بن همام رضي الله عنه في كتابه (نوادر الأنوار): حدّثنا محمّد بن عثمان بن سعيد الزيَات رضي الله عنه ، قال: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمّد عليه السلام عن الخبر الذي روي عن آبائه عليهم السلام: (أن الأرض لا تخلو من حجة لله تعالى على خلقه إلى يوم القيامة، فإن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.
فقال: إن هذا حقّ كما أن النهار حقّ.
فقيل له: يا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك؟
قال: ابني هو الإمام والحجة بعدي، مَنْ مات ولم يعرفه مات ميتةً جاهلية، أما أنّ له غيبةَ يُحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقّاتون، ثم يخرج كأني انظر إلى الأعلام التي تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة). 
فيعلم من هذه الأحاديث أن الشيخ الطوسي وابن بابويه ومحمّد بن يعقوب الكليني والشيخ النيشابوري (وهو متقدم عليهم لأنهم من العلماء المتأخرين عنه) والنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الإثنى عشر عليهم السلام لم يدروا وقت ظهور صاحب الزمان عليه السلام ، ولا يعلم به نفس صاحب الأمر صلوات الله عليه أيضاً.